کد مطلب:168115 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:158

یا دهر اف لک من خلیل
قال الشیخ المفید(ره): (قال علیّ بن الحسین (ع): إنّی جالسٌ فی تلك العشیّة التی قُتل أبی فی صبیحتها وعندی عمّتی زینب تمرّضنی، إذ اعتزل أبی فی خباء له وعنده جوین مولی أبی ذرّالغفاری، وهو یعالج سیفه ویصلحه، وأبی یقول:



یا دهرُ أُفٍّ لك من خلیلِ

كم لك بالاشراق والاصیلِ



من صاحبٍ أو طالبِ قتیلِ

والدهر لایقنع بالبدیلِ



وإنّما الامر إلی الجلیلِ

وكلُّ حیٍّ سالكٌ سبیلی



فأعادها مرتین أو ثلاثاً، حتّی فهمتها وعرفت ما أراد، فخنقتنی العبرة فرددتها، ولزمتُ السكوت، وعلمتُ أنّ البلاء قد نزل، وأمّا عمّتی فإنها سمعتْ ما سمعتُ، وهی امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع، فلم تملك نفسها إذ وثبت تجرُّ ثوبها وإنّه الحاسرة حتّی انتهت إلیه.

فقالت: واثكلاه! لیت الموت أعدمنی الحیاة! الیوم ماتت أمّی فاطمة، وأبی علیّ، وأخی


الحسن (ع)! یا خلیفة الماضین وثمال [1] الباقین!

فنظر إلیها الحسین (ع) فقال لها: یا أُخیّة لایُذهبنّ حلمَك الشیطان! وترقرقت عیناه بالدموع وقال: لو تُرك القطا لنام!

فقالت: یا ویلتاه! أفتغتصب نفسك اغتصاباً، فذاك أقرح لقلبی وأشدُّ علی نفسی!

ثمّ لطمت وجهها! وهوت إلی جیبها فشقّته! وخرّت مغشیّاً علیها!

فقام إلیها الحسین (ع)، فصبّ علی وجهها الماء، وقال لها: إیهاً یا أُختاه! إتّقی اللّه وتعزّی بعزاء اللّه، واعلمی أنّ أهل الارض ‍ یموتون، وأهل السماء لایبقون، وأنّ كلّ شیء هالك إلاّ وجه اللّه الذی خلق الخلق بقدرته، ویبعث الخلق ویعیدهم، وهو فردٌ وحده، جدّی خیرٌ منّی، وأبی خیرٌ منّی، وأمّی خیرٌ منّی،وأخی خیرٌ منّی، ولی ولكلّ مسلم برسول اللّه (ع) أُسوة!

فعزّاها بهذا ونحوه وقال لها: یا أُخیّة، إنّی أقسمتُ علیك فأبرّی قسمی، لاتشقّی علیَّ جیباً، ولاتخمشی علیَّ وجهاً، ولاتدعی علیَّ بالویل والثبور إذا أنا هلكتُ!

ثمَّ جاء بها حتّی أجلسها عنده، ثمّ خرج إلی أصحابه فأمرهم أن یقرّب بعضهم بیوتهم من بعض، وأن یُدخلوا الاطناب بعضها فی بعض، وأن یكونوا بین البیوت، فیستقبلون القوم من وجه واحد، والبیوت من ورائهم وعن أیمانهم وعن شمائلهم، قد حفّت بهم إلاّ الوجه الذی یأتیهم منه عدوّهم، ورجع (ع) إلی مكانه، فقام اللیل كلّه یصلّی ویستغفر ویدعو ویتضرّع! وقام أصحابه كذلك یُصلّون ویدعون ویستغفرون.). [2] .



[1] الثمال: الغياث الذي يقوم بأمر قومه، والملجاء.

[2] الارشاد: 259 -260، وتاريخ الطبري، 4:318 -319، وفيه في بداية الخبر: (إذ اعتزل أبي بأصحابه) وفيه أيضاً: (ثمّ جاء بها حتّي أجلسها عندي وخرج إلي أصحابه..) وفيه أيضاً (حُوّي) بدل (جوين)، وانظر:الكامل في التأريخ، 3: 285-286 وليس فيه (وهي حاسرة)،وانظر: البداية والنهاية، 8:191 بتفاوت واختصار، وأنساب الاشراف، 3: 393 و 394، وفيه (حوَّي) بدل (جوين) وليس فيه (وهي حاسرة) وانظر:مقاتل الطالبين: 75.

أمّا ابن أعثم الكوفي فقد روي هذه الواقعة في بداية نزول الامام (ع) أرض كربلاء، وتبعه في ذلك بعض المؤرّخين(راجع: اللهوف: 35 -36، مقتل الحسين (ع) للخوارزمي، 1:338-339، وفي رواية ابن أعثم: (فنزل القوم وحطّوا الاثقال ناحية من الفرات، وضربت خيمة الحسين لاهله وبنيه، وضرب عشيرته خيامهم من حول خيمته، وجلس الحسين وأنشاء يقول:



يا دهر أُفٍّ لك من خليل

كم لك بالاشراق والاصيلِ



من طالب وصاحب قتيل

وكلُّ حيٍّ عابر سبيلِ



ما أقرب الوعد من الرحيل

وإنّما الامر إلي الجليلِ



قال وسمعت ذلك أخت الحسين زينب وأمّ كلثوم فقالتا: يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل!؟

فقال: نعم يا أختاه! فقالت زينب: واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة! مات جدّي رسول اللّه (ص)، ومات أبي عليّ، وماتت أمّي فاطمة، ومات أخي الحسن (ع)، والان ينعي إليَّ الحسين نفسه!

قال وبكت النسوة ولطمن الخدود! قال وجعلت أمّ كلثوم تنادي: واجدّاه! وأبي عليّاه! وا أمّاه! وا حسناه!وا حسيناه! واضيعتنا بعدك! وا أبا عبداللّه!

فعذلها الحسين وصبّرها وقال لها: يا أختاه! تعزّي بعزاء اللّه وارضي بقضاء اللّه، فإنّ سكّان السموات يفنون،وأهل الارض يموتون، وجميع البريّة لايبقون، وكلّ شيء هالك إلاّ وجهه، له الحكم واليه ترجعون، وإنَّ لي ولكِ ولكلّ مؤمن ومؤمنة أسوة بمحمّد(ص). ثمّ قال لهن: انظرن إذا أنا قُتلت فلاتشققن عليَّ جيباً ولاتخمشن وجهاً!.). (الفتوح، 5: 149 -150).

وفي مقتل الحسين (ع) للخوارزمي: (ومعه جون مولي أبي ذرّالغفاريّ)، وفي روايته جمع بين ما يشبه رواية الطبري، وما يشبه رواية ابن أعثم الكوفي، وفي آخر روايته: (ثمّ قال (ع): يا زينب! ويا أمّ كلثوم! ويا فاطمة! ويا رباب!انظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن عليَّ جيباً ولاتخمشن عليَّ وجهاً، ولاتقلن فيَّ هجراً!) (راجع: مقتل الحسين (ع) للخوارزمي، 1:338-339).